جذور الفصل في الفكر الصهيوني
مقدمة :
عندما وجّه ونستون تشرشل الثالث، حفيد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، سؤال إلى أرئيل شارون في عام 1973 عن كيف ستعامل إسرائيل الفلسطينيين أجاب: "سوف نعمل منهم سندويش بصطرمة، وسندخل قطاع من المستوطنات اليهودية بين الفلسطينيين، ثم قطاع آخر من المستوطنات اليهودية عبر الضفة الغربية بحيث لا تستطيع الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا أحد آخر تمزيق هذه المستوطنات بعد 25 سنة ".
البدايات :
تبدأ قصة جدار الفصل الذي شرع الإسرائيليون في المرحلة الأولى من بنائه في السادس عشر من شهر يونيو/حزيران 2002م من مربع الفشل الذي أصاب عملية "السور الواقي"، تلك التي وضع لها شعار ضرب البنية التحتية للإرهاب ، وان كانت عمليا قد طرحت من الجانب الإسرائيلي عدة مرات في الماضي، كان أولها تلك التي تحدث عنها "بنحاس سبير" بُعيْد حرب حزيران، فقد اقترح آنذاك حدوداً قابلة للدفاع عنها من طرف واحد والخروج من بقية المناطق. أما "بن غوريون" الذي كان آنذاك زعيماً متقاعداً، فقد اقترح إعادة كل المناطق باستثناء القدس. ثم جاء "موشيه شاحل" الذي وضع خطة للفصل أثناء إشغاله منصب وزير الشرطة في مطلع سنة 1994.
وينقسم المؤيدون "للفصل" من طرف واحد إلى قسمين:
(أ) الذين يرون فيه حلاً سياسياً نهائياً، أي أن تحدّد إسرائيل من طرف واحد الحدود الدائمة وتتمترس فيها.
(ب) الذين يرون فيه انتشاراً عسكرياً جديداً لحل الورطة الأمنية مع الفلسطينيين.
وتستقطب خطة الفصل الكثير من المؤيدين من الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، بدءاً من "حايم رامون" الذي يروج لها منذ سنوات، ومروراً ب "دان مريدور"، وانتهاءً بميخائيل ايتان الذي طرح الفكرة بين أوساط الليكود لتوضيح مزاياها.
طول الجدار حوالي 360 كلم، أما المرحلة الأولى فستشمل 115 كلم تبدأ بكيلومترات معدودة من قرية سالم جنوب شرق مجدو وحتى جنوب مدينة أم الفحم، حيث ينبغي أن يفصل بين من يسميها الإسرائيليون "مدينة الانتحاريين" أي جنين وبين أم الفحم ، ويتكون جدار الفصل العنصري من أربعة عناصر وهي جدار الفصل الغربي المعروف حيث تجري حالياً عملية التشييد له على قدم وساق ويستدير نحو الشرق ويشتمل على المستوطنات الكبيرة (خصوصاً أرئيل وعمانوئيل والفيه منشيه) قبل أن يخترق في العمق (حوالي 30 كيلو متراً) داخل الضفة الغربية.
والثاني يجري العمل على تشييد مجموعة من الجدران حول مدينة القدس وفي محيطها وتضم جزءاً من بيت لحم وتطوق جميع الضواحي الفلسطينية. هكذا تنقطع بعض الأحياء العربية منها عن الضفة ومنها عن القدس وغيرها تنقطع بعضها عن البعض.
كما يصار إلى تشييد جدار ثالث شرق الضفة الغربية قبل وادي الأردن. وقد عرف المشروع مع بداية مصادرة الأراضي الضرورية له وسيعني في المدى المنظور ضم الجزء الشرقي من الضفة الغربية.
وموقف إسرائيل الحالي هو أن المقطع الثالث للجدار سيحيط بمستوطنة "أريئيل"، ومنطقة مستوطنات "ليف هشومرون" (قلب الضفة الغربية)، حتى مستوطنة "كدوميم، التي تبعد مسافة كيلومترات معدودة عن مدينة نابلس. ويعني ذلك أن الجدار الفاصل سيقتطع مساحات شاسعة من مناطق غربي الضفة الغربية، يتم ضمها عمليًا لإسرائيل .
مشروع شارون :
يعتبر رئيس الوزراء الحالي أكثر الوزراء الإسرائيليين تشدداً من النواحي الأمنية والأيدلوجية والسياسية، فقد جاء شارون إلى الحكم من المؤسسة العسكرية، ويعتبر واحداً ممن يملكون رؤية مستقبلية للحل في المنطقة وخارطة التسوية النهائية مع الفلسطينيين. وتقضي خطة شارون:-
1- أ. إقامة حزامين أمنيين طوليين.
ب. إقامة الحزام الأمني الغربي على طول الخط الأخضر بعمق يتراوح ما بين (5-10كم)، وقد تم البدء بتنفيذ هذا الحزام عندما تم الإعلان عام 2001 بموجب الأمر العسكري رقم 01/01/س (منطقة التماس) ) عن الإغلاق العسكري لمنطقة شمال وغرب جنين.
2- إقامة خمسة أحزمة عرضية بين الحزامين الطوليين.
أ. ممر بين منطقة جنوب طولكرم / حتى منطقة نابلس - منطقة زعترة - غور الأردن.
ب. شارع عابر السامرة (شارع رقم 5) بين راس العين - غور الأردن.
ج. شارع رقم (45) منطقة اللد - اللطرون ،شمال القدس / الغور.
د. شارع غوش عتصيون - غور الأردن (عابر صهيون).
هـ. شارع رقم 35 - شمال الخليل - غور الأردن.
النتائج :
أربع كتل فلسطينية، بالإمكان إقامة دولة عليها.
1- كتلة جنين /نابلس.
2- كتلة رام الله.
3- كتلة بيت لحم.
4- كتلة الخليل.
وترتبط هذه الكتل بشوارع مزدوجة منفصلة بعضها خاص بالفلسطينيين والبعض الآخر خاص باليهود. ويحصل الفلسطينيون على ممرات آمنة شمالي الضفة الغربية وجنوبيها وبين الضفة الغربية وقطاع غزة. وتتخذ الممرات شكل تحولات من الشوارع القائمة أو انفاق تحت الشوارع الاستراتيجية
خطة الفصل:
تمت المصادقة على خطة جدار الفصل المقدمة من وزير الجيش "بنيامين بن اليعزر" بشأن مسار الجدار الذي سيقام بين إسرائيل والضفة الغربية، وحسب الخطة سيقام في المرحلة الأولى جدار متواصل بطول 115كم من قرية تعنك حتى منطقة فلاميه في قلقيلية كما ذكرنا . وحسب الأوامر العسكرية الصادرة من جيش الاحتلال والتي بدأت بالصدور منذ عام 2001 وكان أولها الأمر العسكري رقم 1/1/س بإقامة جدار طوله 100كم حتى منطقة طولكرم، والأمر العسكري رقم ت/8/2002 وت/9/2002 الصادر في شهر أيار عام 2002 بإقامة جدار طوله 10 كم، فإن مسار الخط سيكون بعمق يتراوح ما بين 1-3كم شرقي الخط الأخضر القديم. وكان رئيس الحكومة شارون قد ادخل عدة تعديلات على الخارطة التي عرضها عليه وزير الدفاع بن اليعزر ولكنه لم يغير كثيراً في مسار الجدار حسب اقتراح وزير الدفاع. وقد أجريت تغييرات أساسية في الجدار مقارنة مع الخط الأخضر، حيث تم ضم جميع المستوطنات - منطقة أم الريحان إلى إسرائيل:- (شاكيد، حنانيت، تل منشيه، أم الريحان) وهذا التكتل الاستيطاني حسب الرؤية الإسرائيلية ذا أهمية استراتيجية في مخطط شارون (مشروع النجوم ). كما ضمت قرى عربية لوقوعها بين الخط الفاصل الجديد و الخط الأخضر القديم .
وعلى الرغم من هذا المخطط حسب بن اليعزر يعتبر خط فصل أمني فقط، غير سياسي وغير حزبي، إلا أن هنالك عقبات وتصورات أخذت جهداً كبيراً من الجانب السياسي الإسرائيلي للبدء بتنفيذ هذا المخطط الذي بدا عام 1994 في عهد رئيس الوزراء اسحق رابين بضغط من قادة المجالس الاستيطانية الإقليمية (عميق حيفر) وجنوبي قلقيلية، فقد أقيمت جدران من الأسمنت على امتداد الخط الأخضر بعمق يتراوح
بين (500-900م) شرقي الخط الأخضر القديم وبارتفاع 2.5م على طول 1800م، وهذا السور يمتد بين قرية الشويكه شمالي طولكرم حتى منطقة جنوبي قلقيلية .