من يملك القدس يملك فلسطين
لقد دارت معارك مع الفرنجة في العصور الوسطى من أجل فلسطين وكانت القدس في القلب منها. وتدور معارك أخرى اليوم مع الصهيونية من أجل فلسطين والقدس محورها.
فإسرائيل تؤكد وحدة القدس كمدينة يهودية وكعاصمة لإسرائيل حتى يصبح للدولة الصهيونية تاريخ يمتد لأكثر من ألفي عام. فلقد سكن اليهود المدينة فترات متقطعة قبل 1800 عام ثم انقطع وجودهم تماماً عنها بعد أن حرموا من دخولها حتى سمح لهم أمير المؤمنين عمر بالعيش فيها وإقامة معابدهم في رحابها فسكنوها أفراداً خالطوا العرب وكسبوا عاداتهم وتقاليدهم إلى أن جاءت حرب عام 1948 واستولت القوات الصهيونية على القدس الغربية.
امتلاك اليهود للقدس واتخاذها عاصمة لإسرائيل هو سعى إلى امتلاك تاريخ المدنية نفسها فيصبح لإسرائيل بضربة واحدة تاريخ ممتد لأكثر من ألف عام يوصل ما انقطع عنها، ولهذا تبذل إسرائيل كل الجهد لتسرق من الفلسطينيين تراثهم. تسرق رقصتهم الشعبية ولحنهم الغنائي الشعبي وملابسهم الشعبية زاعمة أنها كلها يهودية شعبية، لأنه من غير القدس والسطو على تراثها المجيد ستتعرى إسرائيل لتكون على حقيقتها كياناً زرعته الإمبريالية وخلقته من أجل مصالحها في الشرق الأوسط. يشهد على ذلك وعد بلفور وفتح البريطانيين أبواب فلسطين والقدس أمام الهجرة اليهودية ثم حماية أمريكا لدولة إسرائيل.
من غير القدس ستكون إسرائيل بلا تاريخ وبلا تراث. وما ينبغي أن يكون التاريخ لقوم يعيشون في دول متفرقة بل لا بد أن يرتبط به كيان معلوم وأرض ثابتة ودولة مستقرة أن يرتبط التاريخ بالجغرافية.
وتوفر القدس لليهود ما يحتاجون من رسم جغرافي معلوم على الكرة الأرضية بقدر ما توفر لهم تاريخ عريقاً فهي جغرافيا، في قلب فلسطين ومركزها. هي رابطة العقد لكل الطرق الممتدة في كل اتجاه على طول الأرض الفلسطينية. وعرضها ومن ثم هي وحدها القادرة على أن تكون مركزا ثابتا للسوق والمجتمع والكفيلة جغرافياً بتحقيق حلم الصهيونية الساعية بثبات عناد ولإقامة إسرائيل الكبرى. كذلك لن تستقر القدس يهودية صهيونية إسرائيلية إلا إذا تم تهويدها وطرد الفلسطينيون سكانها بالقوة وبالعدوان على كل القوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية.
وحتى يتوج ذلك كله بشرعية دينية ستكون إسرائيل صاحبة القدس الموحدة هي كذلك راعية لأماكن مقدسة لأديان سماوية ثلاث يلتف حولها أكثر من ألفي مليون من سكان المعمورة و.. وحتى لو وضعت هذه الأماكن تحت إشراف دولي فستوفر القدس لإسرائيل مكانة روحية لا ترقى إليها دولة أخرى في العالم.
لكل هذا لابد من تقويض هذه المؤامرة الكبرى. ولن يكون ذلك إلا على أرض القدس الشريف نفسها. إلا إذا أصبحت القدس عاصمة الدولة فلسطين.
لابد إذن من التمسك بقوة ومهما غلي الثمن ومهما طال الكفاح بشعارنا الأساسي. دولة فلسطينية، عاصمتها القدس. أياً كان وضع هذه الدولة مستقبلاً، فيدرالية أو كونفدرالية أو مستقلة منفصلة.
تلك هذه الحلقة الرئيسية والمنطلق الأساسي للكفاح من أجل تقويض المؤامرة الكبرى فوجود فلسطين (الدولة) في القدس (العاصمة) هو المهمة المحورية لمجمل الكفاح الفلسطيني.
نعم، لن تكون المدينة كما أرادوا "موحدة وعاصمة" لهم أولهم وحدهم.