كان عبد السلام سعيدا جدا بالتعرف على تلك المرأة العجوز، فلم يكن يهمه سنها ولا شكلها، فكل ما كان يبحث عنه إمرأة غنية تستطيع أن توفر له أقساط الجامعة، وتأمن له السكن والأكل حتى يتخرج من الجامعة.
فتكاليف الحياة في الولايات المتحدة الامريكية، وأقساط الجامعة لغير الأمريكين باهظ جدا، وقد حاول إيجاد عمل مناسب لكنة فشل في ذلك، فالقيود على الطلاب المغتربيين أصبحت كثيرة، والاقتصاد الأمريكي منذ حرب الخليج يتقهقر إلى الوراء.
كانت جِنا أرملة تجاوزت السبعين عاما وتعيش وحيدة منذ وفاة زوجها قبل عشرين عاما، فأولادها لا يعيشون معها فقد استقل كل منهم في بيته مع زوجته وأولادة.
أرملة غنية وتجاوزت السبعين عاما، تعتبر صيدا ثمينا لعبد السلام، فقد وجد لديها ما يبحث عنه، فيما وجدت هي فيه ما يحقق أحلامها ويعوضها عن سنوات الحرمان الطويلة التي عاشتها .
كانت سعيدة بموافقته على العيش معها كصديق لها (بوي فرند) ولم يكن يهمها انتقادات صديقاتها ولا أولادها. كانت تقول لهم مثلما يحق للرجال الكبار الأغنياء الزواج من فتيات في عمر بناتهم، فلماذا لا يحق للنساء ذلك.
جِنا وجدت فيه هدية السماء:
يا للمسيح، شكرا لك على هذه الهدية، فق كانت متعطشة أن تجد نفسها في حضن رجل شاب يعيدها خمسين سنة إلى الوراء. وعبد السلام وجد فيها ضالته، فهو لن يحسب حساب الأقساط الجامعية، ولن يتصل بأهله يرجوهم أن يستدينوا ليرسلوا له الفلوس.
انتقل عبد السلام إلى بيت جِنا صديقته الجديدة التي نزلت عليه من السماء، فاصبح يناديها جنة وليس جِنا لأنه اعتبر حياتة معها كالانتقال من النار إلى الجنة.
كان يساعدها في أعمال البيت، ويستجيب لرغبتاتها العاطفية، ورغم قرفه منها فقد كان يلبي جوعها الجنسي بدون تردد. وفي المقابل كانت جِنا كريمة معه إلى أبعد الحدود فلم تقصر معه بشيء.
لم يكتف عبد السلام بأقساط المدرسة وبمصاريفه اليومية بل صار يسحب منها الفلوس ويخبئها في صندوق له في البنك [1] فقد كان يخشى من وضع الفلوس كلها في حساب البنك حتى لا يعير انتباه أحد.
استمر هذا الحال لمدة عامين كاملين قاوم فيها عبد السلام كل انتقادات زملائه من الطلاب العرب، وتحمل تهديدات أولادها بترك أمهم، فالفلوس التي كانت تصرف عليه بدون حساب أنسته نفسه، فلم يعد يفكر إلا بكيفة سحب أكبر مبلغ من الفلوس منها. بل ذهب تفكيره إلى أبعد من ذلك، فقد صار يخطط لصيد أرملة عجوز أخرى، مثل صديقته جِنا.
عاد عبد السلام في أحد الليالي متأخرا إلى البيت، فتح الباب بمفتاحه حتى لا يزعج جنا، وقرر مشاهدة التلفزيون وحده. بعد نصف ساعة وبينما كان مشغولا بمشاهدة إحدى المحطات، رن جرس الباب بقوة،
وسمع أصوات أجهزة إرسال قريبة. تملكه الخوف وخشي أن يكون أحد أبنائها يرد به سوءً. لم يحاول إيقاظها فهو رجل البيت الآن. سأل بصوت خافت:
من الطارق؟
إفتح بوليس. زاد خوفه لكنه كان مضطراً لفتح الباب، فاذا بعدة رجال شرطة يصوبون إليه سلاحهم.
أنت عبد السلام؟
نعم، ما المشكلة؟
أين غرفة النوم؟
دخلوا فورا خلفه إلى غرفة النوم، وجدوا جِنا نائمة على السرير،
حركوها محاولين إيقاذها فلم تستيقظ. كانت جنا ميتة خنقا. فاعتقل عبد السلام بعد تفتيش كل أغراضه، ومصادرة كل ما يملكه حتى الفلوس التي خبأها في صندوقه في البنك.
جلس عبد السلام في السجن، يضرب كفا على كف، ويفكر كيف يتخلص من الورطة التي وقع فيها.
كانت الصدمة أكبر من توقعاته، والاتهام بمقتل إمراة في السبعين من عمرها ليس بالأمر الهين، فيكف سيبرر وجوده معها وهو في عمر ابنها.
كان مهددا بالسجن مدى الحياة.
سجن مدى الحياة؟ أنا لم أقتلها وبدأ يحلف لهم الأيمان
أين كنت ساعة إرتكاب الجريمة؟
مع أصدقائي فلان، وفلان و…
طلب منهم توكيل محام، فوكلوا له محامي على علاقة بهم، وعلى حساب الحكومة لعدم قدرتة على توكيله على حسابه. استمرت محاكته عدة شهور، ولم يطلق سراحه بكفالة مالية لعدم قدرته على دفعها.
كان في السجن يبكي مثل الأطفال، لاعناً حظه، وسنوات غربته حالفاً أغلظ الأيمان أنه إن خرج سالما لن يقترب من أي امرأة كبيرة كانت أو صغيرة
وفي جلسة نطق الحكم الأخيرة فوجئ عبد السلام بوالديه في المحكمة فقد جاءا ليقفا معه في محنته العصيبة.
وكانت مفاجأة عبد السلام عظيمة عندما نطقت ممثلة لجنة المحلفين قرار المحلفين:
غير مذنب.
لم تكن الادلة كافية لإدانته، خصوصاً عندما شهد اصدقاؤه بأنه كان معهم لحظة ارتكاب الجريمة.
صاحت أمه بدون وعي ، الله أكبر.
عانق عبد السلام والديه بعد طول غياب، وقرر العودة معهما إلى بلاده.
نظرت إليه أمه معاتبة، وسالته:
هل هذا ما علمتك إياه؟
أهذه وصيتي التي أوصيتك إياها؟
أهذا ما ارسلناك من أجله في بلاد الامريكان؟
بكى عبد السلام أمام والديه، فقد شعر بذنبه، وأحس بالخزي والعار، وعندما ذهب بعد أيام للحصول على أوراقه الجامعية قبل سفره مع والديه. انهالت عليه التعليقات من زملائه الطلاب. كان أقسى حديث سمعة من طالبة تخاطب زميلتها أمامه:
يبدو أنه عاجز جنسيا مع الفتيات، فاراد ان يجرب حظه مع العجائز، فضحك جميع من سمعها بصوت عالٍ، كانت اصوات ضحكهم ترن في أذنه طوال الطريق ها ها ها ها ها.
رغم براءته لم يستطع عبد السلام استعادة اي من امواله المصادرة، لانه عجز أن يثبت للمحكمة أن جِنا قد وهبته إياها
آفي الطائرة المتوجهة ألى أرض الوطن، كان حائرا، هل يترحم على جِنا؟ أم يلعن يوما عرفها فيه؟
وهل يلعن حظه، أم يلعن نفسه الأمارة بالسوء؟
من كتنابات الكاتب عادل سليم